والتي تعود إلى عام1927 "مقتل شيكوريل" أغرب القضايا في

“مقتل شيكوريل” أغرب القضايا في المحاكم المصرية

والتي تعود إلى عام1927 “مقتل شيكوريل” أغرب القضايا في المحاكم .والتي كانت من خلال حادث مقتل «سلامون شيكوريل» والتي تناولتها الأهرام على صفحاتها وشغلت الرأي العام المصري ونرصد تفاصيلها في السطور التالي “مقتل شيكوريل” أغرب القضايا في المحاكم المصرية.
بدأت الأحداث في يوم 5 مارس 1927، عندما خرجت الصفحة الأولى لجريدة الأهرام بالعناوين التالية: «مقتل سلامون شيكوريل .. القبض على ثلاثة إيطاليين ويونانى واعترافهم جميعا بالجريمة”

جريمة الضغينة والخيانة

التفاصيل التى تلى العناوين وشغلت أغلبية الصفحة الأولى، ومصحوبة بصورة لشيكوريل، ولمنزله موطن الجريمة، وصورة أخرى لأحد القتلة الأربعة، فتفيد بجريمة مروعة قامت على أركان «الضغينة» و«الخيانة». فأحد القتلى ويدعى أرنستو كان يعمل سائقا عند شيكوريل، الذى يعد مع إخوته، من أكبر رجال التجارة فى مصر مطلع القرن العشرين. ولكن الاختلاف دب بين المستخدم وسائقه، فتم طرد الأخير، الذى سارع بالاتفاق مع إدواردو موراماركو، الذى خلفه فى وظيفة السائق، وكلاهما إيطالى الجنسية، واثنين آخرين أحدهما الإيطالى داريو جاكويل، سليل عائلة ميسورة ولكن الفساد عرف طريقه إلى طباعه، والأخير يونانى يدعى خريستو جورجيو. اتفقوا جميعا على استغلال ثقة شيكوريل بسائقه الجديد، ومداهمة المنزل ليلا لسرقة مجوهرات قرينة رجل التجارة الكبير، وقد كان ذلك.

ولكن وفقا لما نقلته «الأهرام» عن إفادة قرينة شيكوريل، الفيرا طوربيل، فإن شيكوريل وقرينته تنبها لوجود غرباء داخل حجرة نومهما، وحاول التاجر العمل بنصيحة الزوجة وادعاء النوم، خاصة وأنهما لمحا زجاجة فى حيازة المهاجمين، اتضح لاحقا أنها تحوى مخدرا، ولكن الحيلة فشلت.

فوفقا لـ «الأهرام، حاول الجناة تخدير الزوج ولكنه بدرت منه حركة، وأدرك المجرمون أنه رآهم وعرف بعضهم فانقضوا عليه، فأقسم برأس أبنائه، وكان لشيكوريل ثلاثة من الأبناء، ولد وآنستان، أن يتركهم أحرارا يأخذون ما يشاءون وأنه لن يبلغ البوليس بأمرهم، ولكنهم طعنوه حتى أجهزوا عليه ثم ربطوا ساقيه برباط.. ولفوا زوجته بملاءة”.

وحسب ما جاء أيضا فى إفادة الزوجة، فإن المهاجمين كانوا يتحدثون فيما بينهم بمزيج من الإنجليزية الركيكة والإيطالية، وأنهم توجهوا لاحقا إلى «غرفة التواليت» الملحقة بحجرة النوم الرئيسية، قاصدين وبكل دقة مكمن المجوهرات، التى حصلوا عليها ويقدر إجمالى قيمتها بمبلغ ستة آلاف جنيه.

واستعرضت «الأهرام» بعد ذلك تفاصيل التحقيقات، وكيف تم تحديد هوية المهاجمين والبداية بإدواردو الذى طالما تكررت فى عهده السرقات بمنزل شيكوريل، خاصة بعد أن كشفته شهادة بواب منزل شيكوريل وحاصره القنصل الإيطالى بالتحقيق معه حتى اعترف على باقى المتورطين وبتفاصيل السرقة، وإن التزم جميع المتورطين بنفى المسئولية عن القتل.

أشرار أجانب ومواطنون

وهكذا كانت بداية فصول قضية مقتل شيكوريل التى تناولت «الأهرام» كل ما يرد من تطوراتها على مدى شهور عام 1927. ولكن الجريمة المروعة نكأت جرحا عميقا لدى المصريين، والمتعلق بالمعايير المزدوجة فى حالة وقوع الأجانب موقع «الأشرار»، وما ينالونه من معاملة خاصة فى ظل نظام «الامتيازات الأجنبية».

فوفقا للأهرام، وفى الصفحة الأولى لعدد 6 مارس 1927، جاءت العناوين كالتالي: «حول الامتيازات الأجنبية: مقتل بركوفتش ومقتل شيكوريل.. الأشرار الأجانب يدفعون بمداهم الافتراء على مصر». وورد فى التقرير مقارنة بين حادثة شيكوريل المدوية، وما جرى قبلها بفارق زمنى ضئيل من مقتل الجواهرجى بركوفتش وولده، وذلك على أيدى لص أثيم يدعى عباس قنديل هاجم متجرهما فى منتصف النهار. ويعقد التقرير المقارنة الكاشفة بين الجريمتين، وذلك كالتالي: «كلتا الجنايتين الفظيعتين اللتين ترتعد لهما الفرائص شر كبير. فإذا كانت الأولى منهما جناية وطنى على أجنبي، والجناية الثانية جناية أربعة أجانب على وطني، فإن الشر واحد، وأن الأشرار لا يفرقون بين فظاعة جنايتهم أن أحدهم وطنى والآخرين أجانب ما دام الجرم الفظيع الذى ارتكبوه يجمع بينهم فى مستوى واحد ويجعلهم جميعا أمام الشرائع السماوية والقوانين الوضعية عند الأمم كلهم لصوصا سفاحين وأشرارا».

ولكن واقع الأمر غير ذلك، فوفقا لـ «الأهرام»، فى ذات التقرير، فإنه عندما جرى ما جرى للجواهرجى بركوفتش وولده، فأصابت مصر كلها الدهشة المقرونة بالذعر والحزن، فلعن كل لسان مصرى ذلك المجرم الأثيم، ولكن الذين يوقعون جريمة الفرد على المجموع، فقد ذهبوا إلى الحكمدار يطلبون الحماية ويطلبون تعزيز البوليس الأجنبى ولم يخجلوا، فحملوا هنا على الحكومة المصرية وعلى المصريين وعلى البوليس المصرى وعلى كل ما هو مصري، وشنوا فى بلاد الغرب الحملة ذاتها ونشروا الخبر بحروف ضخمة بارزة فى صدور صحفهم حتى خيل أن هذه الأمة كلها من كبيرها إلى صغيرها قد تجمعت وتجمدت وانحصرت فى ذلك الشرير قنديل وفتكت بالجواهرجى وابنه.

وينتقل التقرير بعد ذلك إلى ردة الفعل بشأن قضية «شيكوريل»، فذكر: «تغير الحال وتبدلت فى الصحف الأوروبية وعند الكتاب الأوربيين، لأن القتلة من الأشرار الأجانب». وضرب التقرير المثل بجريمة أخرى راح ضحيتها المصرى توفيق كرم وهو نائم فى قصره على أيدى نفر من الأشرار ألمانى الجنسية.

الامتيازات لحماية الشر

فالأمر يختلف تماما عندما يكون الشقى من الأجانب، بخلاف عندما يكون من المصريين: «انظر إلى قاتل الجواهرجيين ، عباس قنديل اللص القاتل الوطنى وهو مكبل بالحديد ملقى على الأسفلت بسجن مظلم يطعم طعام المجرمين. ثم انظر إلى الأربعة الذين تألفوا عصابة لسرقة شيكوريل وقتله تجدهم فى ذلك القصر الذى يسمونه «سجن الأجانب» فى أعز بقعة من القاهرة يتمنى أغنى الأغنياء وأكبر الكبراء أن تكون فيها قصورهم ودورهم وانظر اليهم تنصب لهم الأسرة ويوطأ لراحتهم بعد السرير، الفراش الوثير ويقدم لهم من الغذاء الشهى ما لم يكونوا قد ألفوه فى منازلهم ولا فى دور أهلهم وأكثر مواليهم.. انظر اليهم بفضل هذه الامتيازات التى صارت لحماية الشر والأشرار.. فمع أن هؤلاء الأربعة قد اشتركوا بارتكاب جريمة واحدة فى أرض مصر فإن محاكمتهم ستكون على طرق مختلفة وبقوانين مختلفة أمام ثلاث محاكم مختلفة منها لا يجيز الإعدام ومنها يجيزه. ومنها ما يرى العقاب بالأشغال الشاقة، على غير ما يراه الأخر».

ثم يحسم التقرير الأهرامى ختاما: «أن الأصل فى الامتيازات أن يحاكم هؤلاء أمام المحاكم المحلية وأن يحضر محاكمتهم مندوب من القنصل وأن الأصل فى تأليف المحاكم المختلطة أن تحول إليها القضايا المدنية والجنائية التى يشترك فيها الأجانب. ولكن الأصل الأول أهمل فضاع والأصل الثانى لم يسلم به فضاع أيضا. وصار نافذا فى هذه البلاد. ولقد قاست مصر من أجل ذلك المتاعب الكثيرة والآلام الشديدة حتى إن أشقياء الأجانب كانوا منذ عشرين عاما يؤجرون على القتل تأجيرا فيرتكبون ذلك فى رابعة النهار وفى أكبر أحياء هذه المدينة. فلما اشتد الرأى العام المصرى فى احتجاجه على هذه الحال التى لا تطاق، شدد قناصل الدول على رعاياهم واتخذت الوسائل الرادعة بطرد الأشرار من البلاد. ولكن ذلك لا يكفي. ولا يمكن أن يكفى».

كان ذلك جانبا من الجدل الذى جددته قضية شيكوريل وما دار فى زمنها من قضايا مماثلة حول نظام الامتيازات الأجنبية وأحوال المحاكم المختلطة، والذى بدأ العمل به فى القرن التاسع عشر، قبل أن يأتى مؤتمر مونترو فى مايو 1937، وبعد توقيع معاهدة 1936، ليمهد إلى مرحلة انتقالية دامت 12 عاما وكان ختامها إلغاء المحاكم القنصلية أو المختلطة فى منتصف أكتوبر 1949.

هذا ما كان من حال نظام الامتيازات الأجنبية، أما قضية شيكوريل، فبعد تحقيقات ومحاولات نقض الأحكام، صدرت أحكام بإعدام قتلة رجل التجارة الشهير فى قضية لم تغب أبدا عن ذاكرة المصريين.